بحثًا عن الحلم المفقود .. كيف أعادت الكرة النسائية هيرفي رينارد إلى الوطن؟
ترك هيرفي رينارد تدريب منتخب السعودية بعد لحظة بدت أنها شعلة انطلاق مسيرته مع الأخضر. لم نعلم أنه سيسلم هذه الشعلة بتلك السرعة. حسنٌ، ولا هو أيضًا.
هل كانت تلك هي خطته منذ البداية؟ ربما. سأعود إليك لاحقًا لشرح هذا الظن.
رينارد تلقى من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم عرضًا لتدريب منتخب السيدات. نعم تفاجأ، ولكنه لم يفكر مليًّا، سبيل الحلم المفقود قد فُتح لتوّه.
رينارد يعرف جيدًا بداية قصصه الناجحة. النجاح نسبي للغاية، وما يبدو جليًا لك قد لا يبدو لغيرك. وبالحديث عن هذا الرجل تحديدًا، فلا يمكن إغفال نزعة المخاطرة الدائمة في شخصه، والحاسة التي يدرك بها شكل النجاح الذي يناسبه.
عودة بالزمن إلى ذلك الشاب الثلاثيني الذي لم يكفِه كونه لاعبًا سابقًا عن جني قوت يومه. أحد أنجح المدربين في تاريخ إفريقيا كان في الأصل عامل نظافة.
كان رينارد يستيقظ في الثانية فجرًا ليبدأ عمله "الرسمي" في التنظيف حتى الظهيرة التي يلاحق بعدها شغفه بتدريب الهواة. فترة قال عنها إنها كانت أصعب كثيرًا من حياته كلاعب مغمور، ولكنها أفضل درس تلقاه في حياته.
جهد تكلل بنجاح ملموس حين أسس شركته الخاصة الصغيرة لأعمال النظافة، ومن الجهة الأخرى واصل الحصول على رخص التدريب.
بينما كان رينارد يتقدم خطوة تلو الأخرى على الجبهتين، كان كلود لوروا، أحد أطول الفرنسيين باعًا في إفريقيا، يبحث عن مدرب مساعد يرافقه في رحلة إلى الصين لقيادة شنجهاي كوسكو. رافق التلميذ معلمه المخضرم في تلك الجولة وغيرها، حتى وصل معه إلى غانا، وكُتب في أوراق تعيينه: مخطط أحمال بدنية.
"في مقابلتي الأولى لتولي تدريب زامبيا، سُئلت: كيف يمكن لمخطط أحمال أن يدرب منتخبًا؟ شعرت بالإحباط، ولكن هذا الاستفزاز كان جيدًا لي. قلت لنفسي: سأريهم ما يمكنني فعله".
الولاية الأولى لم تستمر طويلًا، ومنها خاض تحديًا جديدًا في أنجولا، ثم تجربة أولى مع الأندية الإفريقية في اتحاد العاصمة الجزائري، هنا ظهر لأول مرة أن الأندية قد لا تكون البيئة الأنسب له، فعاد إلى زامبيا لينال لحظة ثأره المنتظرة.
منتخب زامبيا بطل كأس أمم إفريقيا 2012 للمرة الأولى في التاريخ. أول من شكك به كان أول من ذاق نجاحه.
إنجاز جعل رينارد يعتقد أن الوقت قد حان للعودة إلى الديار، فحاول مع سوشو في تجربة مأساوية أعادته سريعًا إلى ديار تألقه في القارة السمراء، تحديدًا ساحل العاج هذه المرة، والنتيجة: ساحل العاج بطلًا لكأس أمم إفريقيا 2015 للمرة الثانية في تاريخها.
إنجاز آخر أعاده لمطاردة حلمه المفقود، فحاول هذه المرة مع ليل، ليُقال بعد جمعه لـ 13 نقطة في أول 13 مباراة، ليعود مرة أخرى إلى نفس القارة، ولكن تلك المرة في شمالها مع المغرب.
لم يحقق اللقب الإفريقي مع أسود الأطلس، ولكنه أظهر نسخة قوية للغاية أمام عمالقة بحجم إسبانيا والبرتغال، واكتسب رغمًا عنه تلك السمعة: هذا الرجل لا ينجح إلا مع منتخبات إفريقيا.
"كان هذا التغيير ما أردته، لأن الصحافة تحب حبس المدربين في قوالب بعينها".
هكذا فسر رينارد كسره للنمط الإفريقي واتجاهه إلى السعودية، وبعد 3 سنوات من التحضير والخطابات الحماسية التي شاهدناها لاحقًا، جاءت واحدة من أكثر اللحظات الكروية صعقًا: السعودية تهزم الأرجنتين في مونديال انتهى بتتويج الأخيرة.
المغامرة انتهت في دور المجموعات، ولكن الأخضر يستعد لبطولة آسيا وهو مرشح كبير لها، وكل شيء مستقر على نقيض ما مر به في أيامه الأخيرة مع المغرب، فلمَ الرحيل الآن؟
ها قد قادنا سؤالنا الأخير إلى إجابة سؤالنا الأول.. هل كان رينارد يخطط لذلك منذ البداية؟ بالتأكيد كان الأمر يجول في خاطره دائمًا، ولم يكن ينتظر سوى الفرصة السانحة للعودة إلى فرنسا.
كان ذلك نمطًا تكرر في مسيرته: منتخب إفريقي ينجح معه فيرجع إلى فرنسا ليفشل. يعود إلى إفريقيا لينجح مجددًا فيرجع إلى فرنسا ليفشل.
وها قد أتت فرصة العودة الثالثة، فهل تكون "التالتة تابتة" كما يقولون؟
منتخب فرنسا للسيدات يعيش حالة من الاضطراب، بدأت باعتزال 3 من أهم نجمات المنتخب، وهن ويندي رينارد، وماري أنطوانت كاتوتو، وكاديدياتو دياني، احتجاجًا على وجود المدربة كورين دياكر، الأمر الذي انتهى برحيلها.
بالتالي، يبحث الاتحاد الفرنسي عن الاستقرار متمثلًا في شخص يلتف حوله الفريق من جديد.
كيف وصل منتخب السعودية إلى تصنيف فيفا؟ 🇸🇦
— Indivisa Arabia (@Indivisa_AR) March 24, 2023
تعرف على التطور المبهر للكرة النسائية السعودية👆🏾 pic.twitter.com/w6MHvqirEJ
"هذا الرجل مجنون. حادثنا بين شوطي مباراة الأرجنتين وجعلنا نريد أكل عشب الملعب من أجله".
هكذا وصف عبد الإله المالكي لاعب المنتخب السعودي، تلك الطاقة الفريدة التي حولها إليه مدرب لا يشاطره اللغة ولا الوطن، وتلك تحديدًا هي أكثر ما يحتاجه منتخب فرنسا للسيدات الآن.
إذا تمكن الرجل من كسر حاجز اللغة مع السعوديين دون أن يجيد العربية، فما الذي قد يعيقه عن نقل الحماس ذاته بلسان مشترك، ووطنية مشتركة؟
هذا الجانب تحديدًا بالإضافة لسلسلة من النجاحات السابقة، وضعت اسم هيرفي رينارد بين 6 مرشحين على طاولة الاتحاد الفرنسي، أبرزهم تييري هنري الذي رفض تولي المهمة.
ولحسن الحظ، كان ذلك مناسبًا للغاية بالنسبة له، فلطالما انتظر فرصة العودة إلى فرنسا، وكانت هذه هي نقطة التقاء الطريقين.
هيرفي يعود ليطارد حلمه المفقود، هل سينجح تلك المرة؟ لا نعلم لكنه عاد، وسنرى جميعًا ما تخفيه الأيام.